في مفترق الطريق بقلم الأديبة عفاف الجربي

((في مفترق الطريق))
خطا إلى الأمام متفائلا منتشيا ، حثّ الخطى و كاد يلامس الهدف ، إنه الموعد مع الضياء ، مع حصاد ليل مضن أقصد حياته المتشعبة الغريبة ، ما نسجه من حرير العمر قد بدا أنيقا لافتا ، مال و ابناء و مصانع و عقارات و ارصدة ، 
و سلطة و صيت ، و علاقات اظهر اصحابها الابتسام و أخفوا غير ذلك ، و كل الالسن تلوكه و كل الأعين زاغت من أجله غيرة و حسدا ، باع بعضهم أنفسهم له بمقابل . لكن اين سعادته ؟ لا اثر لها .
ماذا لو تغلغل أحدهم في حنايا روحه ؟ 
 ماذا لو أدركوا أهدافه الجديدة ؟ 
كيف بدّلت الحياة نواميسه و نظرته للكون و للسعادة ؟
لقد عرف مؤخرا بل آمن بأن السعادة ليست ما أوتي للمرء من مال و جاه ، لقد عرف انّ سرّ التعلق بالحياة في ان يجد الوزن الحقيقي الذي يستحقّه ، يريد أن يحبّه فرد واحد لذاته ، يريد ان ينسى المال ، و يكتشف قيمته الحقيقية .
ترى كم يساوي ؟
يريد اليوم ان يسمع و يفهم من حوله معنى الحب و معنى الكرامة و قيمة التضحية و الإيثار ، ان يتصدقوا بعذب الكلام كما يتصدقون بالمال ، ان يرى الناس يتبادلون قيم الخير و السلام و الأمن و يكون المال وحدة للتعامل لا غير ذلك .
يريد ان يرى مالا و هدايا يُتصدق بها لا يعرف مصدرها ، و لا تقدم كلمات المدح مقابلها و لا يتمسح البعض على الاعتاب في سبيلها .
لم يعد يحب الشكر ، ترى هل يمحو الزمن من مخيلته صورة البائس الذي يقبل رجلي الحارس كي يدخل إليه فيقابله ؟
و هل تنسيه الأيام حادثات أليمة كثيرة لأناس على هامش الحياة ؟
تأكّد له في سمائه القاتمة المظلمة أنّ لون العملة هو لون الحياة و أن القيم تتضاءل ، و بما أنه مصدر نشوة الجميع ،
فهو ارخصهم ثمنا .
اين الحبّ ؟ إنه لا يوجد إلا في قلوب الصادقين .
غامت الدنيا حوله ، و هاهو كئيب ركام لا يفقه شيئا و لا يلوي على شيء .
فهو كمن ضل الطريق ، فأين الخطوط التي وضع ؟
أين هو من أهدافه ؟
  لقد صنع ما صنع من أجل السعادة في الدّنيا ، لقد تعطب محرك الأيام السّحري المتسارع ليصير محرّكا صدئا .
قرّر بيع كلّ ما يملك و ان يتخلّى عن مكتبه الذي اختفت وراءه اعين الحاسدين و صفوف الموالين و التفت يمنة و يسرة و ارسل زفرة طويلة و اختار طريقا آخر بكامل الخجل يتعثر فيه عله يستعيد التّوازن . و من ذلك اليوم هجر القصر الفخم و اتّخذ المنزل الصغير النائي المنعزل يبحث فيه عن السّعادة .
بقلم عفاف الجربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للعشق عودي بقلم الاديب القدير د. عاطف سالم نصر

الوادي بقلم المبدع محمد حاج موسى

صبر الرياح بقلم الشاعرة المتألقة سهاد العقاد