خطا إلى الأمام متفائلا منتشيا ، حثّ الخطى و كاد يلامس الهدف ، إنه الموعد مع الضياء ، مع حصاد ليل مضن أقصد حياته المتشعبة الغريبة ، ما نسجه من حرير العمر قد بدا أنيقا لافتا ، مال و ابناء و مصانع و عقارات و ارصدة ،
و سلطة و صيت ، و علاقات اظهر اصحابها الابتسام و أخفوا غير ذلك ، و كل الالسن تلوكه و كل الأعين زاغت من أجله غيرة و حسدا ، باع بعضهم أنفسهم له بمقابل . لكن اين سعادته ؟ لا اثر لها .
ماذا لو تغلغل أحدهم في حنايا روحه ؟
ماذا لو أدركوا أهدافه الجديدة ؟
كيف بدّلت الحياة نواميسه و نظرته للكون و للسعادة ؟
لقد عرف مؤخرا بل آمن بأن السعادة ليست ما أوتي للمرء من مال و جاه ، لقد عرف انّ سرّ التعلق بالحياة في ان يجد الوزن الحقيقي الذي يستحقّه ، يريد أن يحبّه فرد واحد لذاته ، يريد ان ينسى المال ، و يكتشف قيمته الحقيقية .
ترى كم يساوي ؟
يريد اليوم ان يسمع و يفهم من حوله معنى الحب و معنى الكرامة و قيمة التضحية و الإيثار ، ان يتصدقوا بعذب الكلام كما يتصدقون بالمال ، ان يرى الناس يتبادلون قيم الخير و السلام و الأمن و يكون المال وحدة للتعامل لا غير ذلك .
يريد ان يرى مالا و هدايا يُتصدق بها لا يعرف مصدرها ، و لا تقدم كلمات المدح مقابلها و لا يتمسح البعض على الاعتاب في سبيلها .
لم يعد يحب الشكر ، ترى هل يمحو الزمن من مخيلته صورة البائس الذي يقبل رجلي الحارس كي يدخل إليه فيقابله ؟
و هل تنسيه الأيام حادثات أليمة كثيرة لأناس على هامش الحياة ؟
تأكّد له في سمائه القاتمة المظلمة أنّ لون العملة هو لون الحياة و أن القيم تتضاءل ، و بما أنه مصدر نشوة الجميع ،
فهو ارخصهم ثمنا .
اين الحبّ ؟ إنه لا يوجد إلا في قلوب الصادقين .
غامت الدنيا حوله ، و هاهو كئيب ركام لا يفقه شيئا و لا يلوي على شيء .
فهو كمن ضل الطريق ، فأين الخطوط التي وضع ؟
أين هو من أهدافه ؟
لقد صنع ما صنع من أجل السعادة في الدّنيا ، لقد تعطب محرك الأيام السّحري المتسارع ليصير محرّكا صدئا .
قرّر بيع كلّ ما يملك و ان يتخلّى عن مكتبه الذي اختفت وراءه اعين الحاسدين و صفوف الموالين و التفت يمنة و يسرة و ارسل زفرة طويلة و اختار طريقا آخر بكامل الخجل يتعثر فيه عله يستعيد التّوازن . و من ذلك اليوم هجر القصر الفخم و اتّخذ المنزل الصغير النائي المنعزل يبحث فيه عن السّعادة .
بقلم عفاف الجربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق