السبت، 26 أبريل 2025

اقارب في ثوب العقارب بقلم المبدع محمد سلطان

أقاربٌ في ثوبِ العقارب

رأيتهمُ وهمُ يجتمعونَ كما يلتقي الليلُ بالليلِ في عتمةِ السُهدِ الخائِف
دوائرُ سمٍّ تُحدّقُ في خطواتي
زحفوا كما الحُلمِ حين ينقلبُ كابوسًا
وأنّى سرتُ
رأيتُ الرملَ يُخفيهمُ ويُبديهمُ
فيختبئونَ كالأمنياتِ الجارحة
ثم يلدغونَ كأنهمُ الوقتُ حين يغدرُ بالعاشق

وجوهٌ رأيتُ بها ألفَ شمسٍ
لكنّ العتمةَ كشفتْ عنها ليلًا يَستعيرُ القمرَ
ويدسُّ في الحُضنِ طعنًا
وفي القُربِ فخًّا
كأنّ السلامَ سُمٌّ على هيئةِ ابتسامة

صافحوني بأيمنهمُ
وغرسوا بخناجرِ يسارهمُ خاصرتي
قالوا أحببناكَ
وقلوبُهمُ كانتْ لغيري
كأنّ القربَ جفاءٌ
وكأنّ الهجرَ حنانٌ في عباءةِ بُعد

بعضُ الأقاربِ
سكينٌ في جيبِ عاشقٍ أعماهُ الوفاء
إن لم يُفلتْهُ قتلهُ وهو يبتسمُ
وبعضُ الأصدقاء
كظلِّ خيانةٍ في ظهيرةِ عتاب
يبردُ إذا احتجتَ دفءَ الوفاء
ويشتعلُ إن ظننتَهُ الأمان

كم من قريبٍ
كان للغدرِ سيفًا وللوصلِ دخانًا
وكم من بعيدٍ
كان كالماءِ عذبًا لا يجرحُ الظمآنَ إذا ارتوى

قالوا الأقربونَ أولى بالمعروف
فقلتُ نعم
لكنّ بعض المعروفِ فيهمُ
جنونٌ في ثيابِ عقل
وموتٌ يبتسمُ في ثوبِ حياة

اجتماعُهمُ
كمجلسِ سُمٍّ يُوزّعُ لسعاتهُ كالعطايا
وكلّهمُ يتلونونَ كأنهمُ حرباءُ تتوشّحُ ثوبَ المحبة
لكنّ قلوبهمُ
كأنيابِ الموتِ حين لا صوتَ له

سأختصرُ الدرسَ في بيتٍ من لهب
لا تقرّبْ من لا يحبّك إلا حين يجوعُ لقلبك
فالعقربُ لا تزحفُ إلا حين تجوعُ
ولا تلدغُ إلا حين تُؤمَنُ جانبها

أنا
تعلمتُ أن أبتسمَ بوجوهِ الغدرِ
وأن أخبئَ قلبي ككنزٍ لا يُستحقّ
تعلمتُ أن الحذرَ ليس جبنًا
بل وفاءٌ للذاتِ حين تخونُك الأسماءُ

وفي زمنٍ
صار فيه القريبُ أشدّ بأسًا من الغريب
أيقنتُ أن الصمتَ عزّة
وأنّ المسافةَ نجاةٌ
وأنّ الطعنَ لا يُؤلمُ بقدرِ الخذلان

أنا
منذُ عرفتُ العقاربَ
لم أعدْ أمدّ يدي إلا للسماء
فالله لا يلدغ
ولا يطعن
ولا يخون

 محمد سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق